التخصصات الجراحيةالمتخصصون

جراحة العظام

علم وفن استعادة الحركة وتحسين جودة الحياة

تُعد جراحة العظام فرعًا متخصصًا من فروع الطب يتعامل مع تشخيص وعلاج والوقاية من الاضطرابات والإصابات التي تصيب الجهاز العضلي الهيكلي. يشمل هذا الجهاز العظام والمفاصل والعضلات والأوتار والأربطة والأعصاب التي تسمح لنا بالحركة والوقوف والمشاركة في الأنشطة اليومية. يلعب جراحو العظام دورًا حيويًا في مساعدة المرضى من جميع الأعمار، من الأطفال حديثي الولادة المصابين بتشوهات خلقية إلى كبار السن الذين يعانون من التهاب المفاصل، والأفراد النشطين الذين يتعرضون لإصابات رياضية.

تاريخ موجز لجراحة العظام:

يمكن إرجاع جذور جراحة العظام إلى العصور القديمة، حيث تم العثور على أدلة على علاج الكسور والخلع في الحضارات القديمة. ومع ذلك، لم يبدأ التخصص في التبلور كفرع طبي متميز إلا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. كان التقدم في فهم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، بالإضافة إلى تطوير تقنيات التخدير والجراحة المطهرة، بمثابة نقاط تحول حاسمة.

في أوائل القرن العشرين، شهدت جراحة العظام تطورات كبيرة مع ظهور تقنيات جديدة لتثبيت الكسور، مثل استخدام الصفائح والبراغي. كما شهد هذا العصر التركيز المتزايد على علاج تشوهات الأطفال، مثل القدم الحنفاء والجنف. خلال الحربين العالميتين، لعب جراحو العظام دورًا محوريًا في علاج الإصابات الناجمة عن القتال، مما أدى إلى مزيد من التطور في تقنيات إعادة التأهيل والأطراف الاصطناعية.

في العقود الأخيرة، شهدت جراحة العظام ثورة في التقنيات الجراحية طفيفة التوغل، واستخدام المواد الحيوية، وتطبيقات الهندسة الحيوية. أدت هذه التطورات إلى تحسين نتائج المرضى وتقليل فترة التعافي.

نطاق جراحة العظام:

يغطي مجال جراحة العظام مجموعة واسعة من الحالات والإجراءات. يمكن تقسيمها بشكل عام إلى المجالات الفرعية التالية:

  • جراحة الرضوح: تركز على علاج الكسور والخلع والإصابات الأخرى التي تحدث نتيجة لصدمة أو حادث. يشمل ذلك تثبيت الكسور باستخدام الجبائر أو الجص أو الأجهزة الجراحية مثل الصفائح والبراغي والقضبان.
  • جراحة المفاصل: تتعامل مع تشخيص وعلاج حالات المفاصل التنكسية والالتهابية، مثل التهاب المفاصل العظمي والتهاب المفاصل الروماتويدي. تشمل الإجراءات الشائعة استبدال المفاصل (مثل مفصل الورك والركبة والكتف) وتنظير المفاصل.
  • جراحة العمود الفقري: تتخصص في علاج أمراض العمود الفقري، بما في ذلك الانزلاق الغضروفي والجنف وتضيق القناة الشوكية والكسور. تتراوح العلاجات من العلاج التحفظي إلى الجراحة، مثل استئصال القرص ودمج الفقرات وتثبيت العمود الفقري.
  • جراحة اليد والجراحة المجهرية: تركز على علاج حالات اليد والمعصم والطرف العلوي، بما في ذلك متلازمة النفق الرسغي وإصابات الأوتار والأعصاب والكسور المعقدة. غالبًا ما تتطلب هذه الإجراءات تقنيات جراحية دقيقة ومجهرية.
  • جراحة القدم والكاحل: تتعامل مع تشخيص وعلاج حالات القدم والكاحل، مثل تشوهات القدم (مثل إبهام القدم الأروح والقدم المسطحة) وإصابات الأوتار والأربطة والكسور.
  • جراحة أورام العظام: تتخصص في علاج الأورام الحميدة والخبيثة التي تصيب العظام والأنسجة الرخوة للجهاز العضلي الهيكلي. يتطلب هذا المجال خبرة في الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي.
  • جراحة العظام للأطفال: تركز على علاج الاضطرابات والإصابات العضلية الهيكلية لدى الأطفال، بما في ذلك التشوهات الخلقية والنمو غير الطبيعي والإصابات الرياضية.
  • الطب الرياضي وجراحة التنظير المفصلي: يتعامل مع الوقاية من وعلاج الإصابات المتعلقة بالرياضة، وغالبًا ما يستخدم تقنيات التنظير المفصلي طفيفة التوغل لتشخيص وعلاج مشاكل المفاصل.

الأمراض والحالات الشائعة التي يعالجها جراحو العظام:

يقوم جراحو العظام بعلاج مجموعة واسعة من الأمراض والحالات التي تؤثر على الجهاز العضلي الهيكلي. تشمل بعض الحالات الأكثر شيوعًا ما يلي:

  • الكسور: هي انقطاع في استمرارية العظام، ويمكن أن تحدث نتيجة لصدمة أو إصابة أو حالات طبية كامنة مثل هشاشة العظام. يمكن أن تتراوح الكسور من كسور بسيطة إلى كسور معقدة تتطلب تدخلًا جراحيًا.
  • الخلع: يحدث عندما تنفصل عظمتان أو أكثر تشكل مفصلًا عن بعضها البعض. يمكن أن يحدث الخلع في أي مفصل في الجسم، ولكنه شائع بشكل خاص في الكتف والورك والركبة.
  • الالتواءات والإجهادات: الالتواء هو إصابة في الأربطة (الأنسجة التي تربط العظام ببعضها البعض)، بينما الإجهاد هو إصابة في العضلات أو الأوتار (الأنسجة التي تربط العضلات بالعظام). غالبًا ما تحدث هذه الإصابات نتيجة لحركة مفاجئة أو مفرطة.
  • التهاب المفاصل العظمي: هو حالة تنكسية تصيب الغضروف الذي يغطي نهايات العظام في المفاصل. يؤدي تآكل الغضروف إلى الألم والتصلب وفقدان وظيفة المفصل.
  • التهاب المفاصل الروماتويدي: هو اضطراب مناعي ذاتي يسبب التهابًا في بطانة المفاصل. يمكن أن يؤدي هذا الالتهاب إلى تلف المفاصل والأنسجة المحيطة بها.
  • هشاشة العظام: هي حالة تتميز بانخفاض كثافة العظام، مما يجعلها أكثر عرضة للكسور.
  • الانزلاق الغضروفي: يحدث عندما يبرز القرص الموجود بين فقرات العمود الفقري أو يتمزق، مما يضغط على الأعصاب القريبة ويسبب الألم والخدر والضعف.
  • الجنف: هو انحناء جانبي غير طبيعي في العمود الفقري.
  • تضيق القناة الشوكية: هو تضيق في المساحات داخل العمود الفقري، مما قد يضغط على الحبل الشوكي والأعصاب.
  • إصابات الأوتار والأربطة: يمكن أن تشمل هذه الإصابات تمزقات أو التهابات في الأوتار (مثل التهاب الأوتار) والأربطة (مثل تمزق الرباط الصليبي الأمامي).
  • تشوهات القدم: تشمل حالات مثل إبهام القدم الأروح (تورم في قاعدة إصبع القدم الكبير) والقدم المسطحة (انهيار قوس القدم).
  • متلازمة النفق الرسغي: تحدث عندما يتم الضغط على العصب المتوسط في الرسغ، مما يسبب الألم والخدر والوخز في اليد والأصابع.

التشخيص في جراحة العظام:

يبدأ تشخيص مشاكل العظام والمفاصل عادةً بتقييم شامل من قبل جراح العظام. يتضمن ذلك مراجعة التاريخ الطبي للمريض والأعراض التي يعاني منها، بالإضافة إلى فحص بدني دقيق. أثناء الفحص البدني، سيقوم الطبيب بتقييم نطاق حركة المفاصل، والبحث عن أي تورم أو تشوه أو ألم عند اللمس. قد يقومون أيضًا بإجراء اختبارات محددة لتقييم وظيفة العضلات والأعصاب.

بالإضافة إلى الفحص البدني، غالبًا ما يتم استخدام اختبارات التصوير للمساعدة في التشخيص. تشمل هذه الاختبارات:

  • الأشعة السينية (X-rays): تستخدم لإنشاء صور للعظام ويمكن أن تساعد في تحديد الكسور والخلع والتغيرات التنكسية مثل التهاب المفاصل.
  • التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يستخدم موجات الراديو ومجالًا مغناطيسيًا قويًا لإنشاء صور مفصلة للأنسجة الرخوة، مثل العضلات والأوتار والأربطة والغضاريف. يمكن أن يساعد التصوير بالرنين المغناطيسي في تشخيص إصابات الأنسجة الرخوة والانزلاق الغضروفي وأورام العظام.
  • التصوير المقطعي المحوسب (CT scan): يستخدم الأشعة السينية لإنشاء صور مقطعية للعظام والأنسجة الرخوة. يمكن أن يوفر التصوير المقطعي المحوسب معلومات أكثر تفصيلاً من الأشعة السينية التقليدية وهو مفيد بشكل خاص في تقييم الكسور المعقدة.
  • الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): تستخدم الموجات الصوتية لإنشاء صور للأنسجة الرخوة، مثل الأوتار والأربطة والعضلات. يمكن استخدام الموجات فوق الصوتية لتقييم إصابات الأوتار والأربطة وتوجيه الإجراءات مثل حقن المفاصل.
  • مسح العظام (Bone scan): يتضمن حقن كمية صغيرة من مادة مشعة في مجرى الدم. تتراكم هذه المادة في مناطق العظام ذات النشاط الأيضي المتزايد، والتي يمكن أن تشير إلى حالات مثل الكسور والالتهابات والأورام.

في بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة إلى اختبارات أخرى، مثل اختبارات الدم لتقييم علامات الالتهاب أو العدوى، أو دراسات التوصيل العصبي وتخطيط كهربية العضل لتقييم وظيفة الأعصاب والعضلات. يمكن أيضًا استخدام التنظير المفصلي، وهو إجراء طفيف التوغل يسمح للطبيب برؤية داخل المفصل باستخدام كاميرا صغيرة، لتشخيص وعلاج بعض مشاكل المفاصل.

خيارات العلاج في جراحة العظام:

يعتمد علاج مشاكل العظام والمفاصل على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك نوع وشدة الحالة، وعمر المريض وصحته العامة، وتفضيلات المريض. يمكن أن تتراوح خيارات العلاج من التدابير غير الجراحية إلى التدخلات الجراحية.

العلاجات غير الجراحية:

غالبًا ما تكون العلاجات غير الجراحية هي الخطوة الأولى في علاج العديد من حالات العظام والمفاصل. تشمل هذه العلاجات:

  • الراحة والتثبيت: يمكن أن يساعد تجنب الأنشطة التي تؤدي إلى تفاقم الأعراض وتثبيت المنطقة المصابة باستخدام جبيرة أو دعامة في تقليل الألم والالتهاب والسماح للأنسجة بالشفاء.
  • الأدوية: يمكن استخدام مجموعة متنوعة من الأدوية لتخفيف الألم والالتهاب، بما في ذلك مسكنات الألم التي لا تستلزم وصفة طبية (مثل الأسيتامينوفين والإيبوبروفين)، والأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs) بوصفة طبية، ومرخيات العضلات، وفي بعض الحالات، الأدوية الأفيونية للألم الشديد.
  • العلاج الطبيعي: يلعب دورًا حاسمًا في إعادة التأهيل بعد الإصابات أو الجراحة، وفي إدارة الحالات المزمنة مثل التهاب المفاصل. يمكن أن يشمل العلاج الطبيعي تمارين لتقوية العضلات وتحسين نطاق الحركة والمرونة والتوازن. يمكن أيضًا استخدام طرق مثل الحرارة والثلج والموجات فوق الصوتية والتحفيز الكهربائي للمساعدة في تخفيف الألم والالتهاب.
  • الحقن: يمكن حقن الكورتيكوستيرويدات مباشرة في المفاصل أو الأوتار الملتهبة لتوفير تخفيف مؤقت للألم والالتهاب. يمكن أيضًا استخدام حقن حمض الهيالورونيك في مفاصل الركبة المصابة بالتهاب المفاصل العظمي للمساعدة في تليين المفصل وتحسين وظيفته.
  • الأجهزة التقويمية والمساعدة: يمكن استخدام أجهزة مثل الجبائر والدعامات والعصي والمشايات لتوفير الدعم والاستقرار وتقليل الضغط على المفاصل المصابة.

العلاجات الجراحية:

قد يوصى بالتدخل الجراحي إذا لم تنجح العلاجات غير الجراحية في تخفيف الأعراض أو إذا كانت الحالة شديدة وتتطلب إصلاحًا جراحيًا. تشمل بعض الإجراءات الجراحية الشائعة في جراحة العظام ما يلي:

  • تثبيت الكسور: يتضمن إعادة محاذاة أطراف العظام المكسورة وتثبيتها معًا باستخدام أجهزة مثل الصفائح والبراغي والقضبان أو المثبتات الخارجية للسماح لها بالشفاء بشكل صحيح.
  • استبدال المفاصل: إجراء يتم فيه استبدال المفصل التالف أو المريض بمفصل اصطناعي مصنوع من مواد مثل المعدن والبلاستيك والسيراميك. تشمل عمليات استبدال المفاصل الشائعة استبدال مفصل الورك والركبة والكتف.
  • تنظير المفاصل: إجراء طفيف التوغل يتم فيه إدخال كاميرا صغيرة وأدوات جراحية من خلال شقوق صغيرة لإصلاح أو إزالة الأنسجة التالفة داخل المفصل. يستخدم التنظير المفصلي بشكل شائع لعلاج مشاكل الركبة والكتف والكاحل والورك والمعصم.
  • جراحة العمود الفقري: يمكن أن تشمل إجراءات مثل استئصال القرص لإزالة جزء من القرص المنفتق الذي يضغط على العصب، ودمج الفقرات لربط فقرتين أو أكثر معًا لتثبيت العمود الفقري وتقليل الألم، وتثبيت العمود الفقري باستخدام البراغي والقضبان لتصحيح التشوهات أو تثبيت الكسور.
  • إصلاح الأوتار والأربطة: يمكن إصلاح الأوتار والأربطة الممزقة جراحيًا عن طريق خياطة الأطراف الممزقة معًا أو باستخدام طعوم من أجزاء أخرى من الجسم أو من متبرع.
  • جراحة أورام العظام: يمكن أن تشمل استئصال الورم، وفي بعض الحالات، استئصال جزء من العظام أو الأنسجة المحيطة.

التقدم والاتجاهات المستقبلية في جراحة العظام:

يشهد مجال جراحة العظام تطورات مستمرة في التقنيات والمواد والإجراءات. تشمل بعض الاتجاهات الحالية والمستقبلية ما يلي:

  • الجراحة طفيفة التوغل: هناك تركيز متزايد على تطوير تقنيات جراحية تتطلب شقوقًا أصغر، مما يؤدي إلى ألم أقل وفترة تعافي أقصر ونتائج تجميلية أفضل.
  • الجراحة الروبوتية: يتم استخدام الأنظمة الروبوتية بشكل متزايد للمساعدة في إجراء عمليات جراحية معقدة بدقة أكبر وتحكم أفضل.
  • المواد الحيوية والطب التجديدي: يتم استكشاف مواد جديدة لزراعتها في الجسم، بالإضافة إلى استخدام العلاجات البيولوجية مثل البلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP) والخلايا الجذعية لتعزيز الشفاء وتجديد الأنسجة.
  • الطباعة ثلاثية الأبعاد: يتم استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء نماذج مخصصة للأطراف الاصطناعية والأدوات الجراحية وحتى زراعة العظام.
  • الطب الشخصي: هناك اتجاه نحو تصميم علاجات العظام والمفاصل لتلبية الاحتياجات الفردية لكل مريض بناءً على عوامل مثل علم الوراثة ونمط الحياة.

الخلاصة:

تُعد جراحة العظام مجالًا طبيًا حيويًا يلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على صحة الجهاز العضلي الهيكلي واستعادة الحركة وتحسين جودة الحياة للأفراد من جميع الأعمار. من خلال فهم عميق لتشريح ووظيفة الجهاز العضلي الهيكلي، واستخدام تقنيات تشخيصية متقدمة وخيارات علاجية متنوعة، يمكن لجراحي العظام مساعدة المرضى على التغلب على مجموعة واسعة من الإصابات والأمراض والحالات. مع استمرار تقدم التكنولوجيا والبحث، يمكننا أن نتوقع المزيد من التطورات المثيرة في جراحة العظام في المستقبل، مما يؤدي إلى نتائج أفضل للمرضى وتحسين نوعية حياتهم. إن التعاون بين جراحي العظام وأخصائي العلاج الطبيعي وغيرهم من المتخصصين في الرعاية الصحية أمر ضروري لتوفير رعاية شاملة ومتكاملة للمرضى الذين يعانون من مشاكل العظام والمفاصل.

زر الذهاب إلى الأعلى